ادعاءات تُردد كثيراً حول مشروع التغيير الدستوري في تركيا
بينما تستعد تركيا للتصويت على مشروع التغيير الدستوري الذي يحل محل نظامها البرلماني الحالي بنظام رئاسي، يتم اختلاق العديد من الادعاءات الخاطئة
ستذهب تركيا إلى صندوق الاقتراع في 16 إبريل/نيسان 2017م للتصويت في الاستفتاء على تشكيل الدستور الذي يتنبأ بنظام رئاسيٍّ للبلد عوضاً عن النظام البرلماني الحالي. وعلى الرغم من أنه يمكن الوصول إلى نص المشروع بسهولة على الانترنت ولا يتطلب المشروع مزيداً من التوضيح، فإن بعض الادعاءات الخاطئة والممتدة استمرت في الانتشار. في المقابل قام فاكت تشيكنغ تركيا بتجميع هذه الادعاءات وتفنيد كل واحدة منها. بالإضافة إلى تزويد القراء ببعض المعلومات الأساسية مسبقاً قد يساعدهم لفهمٍ أفضل لكيف انتهت تركيا بالتصويت على تغيير النظام السياسي.
انتخابات 2007م الرئاسية: صورة مصغرة عن شلِّ البرلمان
في 24 إبريل/نيسان 2007م، أعلن رئيس الوزراء حينها رجب طيب أردوغان وزير الخارجية حينها عبدالله غول المرشح الرئاسي التابع لحزب العدالة والتنمية الحاكم في خطابه الذي ألقاه لأتباع الحزب. لكن العلمانيين الأتراك كانوا معارضين بلا تردد لترشح غول لأن زوجته كانت محجبة – والذي، جادلوا، بأنه انتهاك لعلمانية الدولة التركية. وحتى قبل إعلان حزب العدالة والتنمية مرشحه، خرجت مسيرات مكثفة معروفة بـCumhuriyet Mitingleri (مسيرات الجمهورية) للاحتجاج ضد المرشح المحتمل لحزب العدالة والتنمية وسط تهديدات من الجيش بالانقلاب. وبعد سنوات، اعتذر منظم المسيرات تونجاي أوزكان لـ"الناس الذين أخفناهم" على خطابه العلماني القاس.
وسريعاً بعد أول دورة من الانتخابات التي كان فيها عبدالله غول هو الفائز، أصدر الجيش بياناً على موقعه الالكتروني الذي أصبح يعرف بـ"التحذير الإلكتروني" حيث قال: "الجدالات حول العلمانية تصبح بؤرة خلال عملية الانتخاب الرئاسية، والقوات التركية المسلحة هي بعد تراقب الوضع باهتمام. ويلزم عدم نسيان أن القوات المسلحة هم المدافعون الحازمون عن العلمانية". لكن حزب العدالة والتنمية لم يترك هذا "التحذير" دون رد. ففي التصريح الذي أصدره في اليوم التالي، قال حزب العدالة والتنمية: "قبل أي شيء، إننا نرغب في التأكيد على أن ذلك لا يمكن تصوره بأي حال في دولة ديمقراطية تتقيد بحكم القانون أن الأركان العامة كمؤسسة بحكم رئيس الوزراء تصدر بياناً ضد الحكومة".
وبالرغم من أن عبدالله غول ضمن جميع الأصوات الـ357 في الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية والتي كانت تعقد في المجلس الوطني لتركيا، إلا أن حزب الشعوب الجمهوري المعارض (ج هـ ب) قدم مباشرة طلباً للمحكمة الدستورية لإلغاء الانتخابات، مجادلاً بوجوب حضور 367 نائب في البرلمان للانتخابات لتصبح قانونية. ووافقت الحكومة وألغت الانتخابات. ولأن حزب العدالة والتنمية لم يكن لديه 367 نائباً وكانت الأحزاب الأخرى ما تزال مقاطعة للانتخابات، فإنه لم يكن بالإمكان إجراء الانتخابات الرئاسية. وكنتيجة لهذا المأزق، تم تجديد الانتخابات العامة وارتفع معدل أصوات حزب العدالة والتنمية من 34.2% إلى 46.6%. هذه المرة وبدعم من حزب الحركة القومية اليميني المعارض (م هـ ب)، أخيراً تمت الانتخابات الرئاسية في 28 أغسطس/آب 2007م بعد أربعة أشهر من الإخفاق: وتم انتخاب عبدالله غول رئيساً.
استفتاء 2007م: بذرة التغيير الدستوري لليوم
لكن ذلك كله لم يحدث من فراغ، هذه القصة لقنت كلا من الحكومة والشعب في تركيا درساً – أن عملية الانتخابات الرئاسية يجب أن يتم إصلاحها بشكل شامل. ولهذه الغاية طرح حزب العدالة والتنمية مشروع تغيير دستوري والذي يتوقع انتخاب الرئيس عبر التصويت الشعبي، أتاح الترشح للرئاسة لفترتين اثنتين، كما قلَّص كلاً من الفترتين الرئاسية والبرلمانية من سبعة إلى خمسة ومن خمسة إلى أربع سنوات على التوالي. وقد رُفض المشروع عدة مرات من قبل الرئيس حينها أحمد نجدات سيزار الذي ادعى أن "حزمة التعديل الدستوري هي ضد النظام البرلماني التركي ومن الممكن أن تسبب عدم الاستقرار" وقرر في النهاية إجراء استفتاء على المشروع في نهاية نفس العام. وتم قبول التغييرات عبر نتائج الاستفتاء بتصويت 69% بـ'نعم'.
وفي 2014م، فاز رجب طيب أردوغان بالانتخابات الرئاسية بـ52% من الأصوات. وأصبح الرئيس رجب طيب أردوغان أول رئيس لجمهورية تركيا ينتخب شعبياً. لكن حملته الانتخابية كانت قائمة على الوعد بأنه سيصبح "رئيساً متعرق"، مستحضراً التعبير التركي الذي يعني العمل المُجِّد. وقال: "هل ستكون رئيساً للشعب وتستلقي؟ شيء مثل هذا مستحيل. سأكون رئيساً متعرقاً". وتحدى انتخاب سياسي أو رئيس من قبل التصويت الشعبي في الأساس، الذي وعد بالتدخل في السياسات بشكل نشط، الدور المراسيمي التقليدي للمنصب وتحويله ليكون مفيداً. ولم يعد الرئيس التركي شخصاً ما يستضيف الاحتفالات أو يوقع الوثائق فقط، بل إن الرئيس الآن يشكل قلب السياسة في تركيا – فقط كما في الولايات المتحدة الأميركية.
مالذي يعنيه انتخاب الرئيس عبر التصويت الشعبي؟
إن إحدى الميزات الأساسية لنظام الحكم هي أسلوب انتخاب الرئيس. ففي النظام البرلماني غالباً يتم انتخاب الرئيس من قبل البرلمان حيث أنه في النظام الرئاسي الكامل أو شبه الرئاسي ينتخب الشعبُ الرئيس عبر التصويت الشعبي بشكل مباشر. وعندما قال أحمد نجدات سيزار إن الانتخابات الرئاسية عبر التصويت الشعبي كانت "في مواجهة النظام البرلمان في تركيا"، كان محقاً في هذا بالمعنى التقني. لكن حالما سُئل الشعب التركي فيما إذا كان يود انتخاب رئيسه بنفسه أجاب بشكل إيجابي، وأصبح النقاش حول التغيير النظامي في نهاية المطاف إلزامياً. إضافة لذلك، فإن حدود الدور الفعلي غير المسبوق للرئيس لم تكن مقررة في الدستور.
وكانت هنالك نتيجتان محتومتان لاستفتاء 2007م: (1) أن النظام يتغير إلى شبه نظام رئاسي أو كامل أو (2) العودة إلى النظام البرلماني. وعلى الرغم من أن تركيا نظرياً ما تزال تطالب بالحصول على حكومة برلمانية، فإن ذلك في الواقع سيكون "عودة إلى الوراء" لأنه عملياً لم يعد نظامَ حكمٍ برلماني كفاية. إن النظام السياسي الحالي في تركيا نوعاً ما نظام شبه رئاسي لأن الرئيس، الذي يُمنح الكثير من السلطة في دستور 1982 ويتحرك باتجاه مركز السياسة منذ 2014، سيتم انتخابه من قبل الشعب في حين يبقى رئيس الحكومة هو رئيس الوزراء. وللعودة إلى النظام البرلماني، فإن الانتخابات الرئاسية يجب أن تعود على البرلمان لكن في حالة مثل هذه سيسأل الشعب مجدداً فيما إذا كان سيتخلى عن هذا الحق الديمقراطي.
ولننتقل الآن إلى الادعاءات حول التعديلات المقترحة.
1) ادعاء: "سيقوم الرئيس بحل البرلمان"
على الأرجح إن هذا أكثر ادعاء مغلوط، ومنتشر على نطاق واسع، وعلى الرغم من ذلك، فإن الرئيس في الوقت الحالي يمكنه فعلاً القيام بحل البرلمان في حين يقترح المشروع إلغاء هذا الامتياز.
وآخر مثال على حل الرئيس للبرلمان حدث في الانتخابات العامة في عام 2015م عندما فشل البرلمان في تشكيل حكومة ائتلافية لحوالي ثلاثة أشهر بعد أن فشلت كل الأحزاب في الحصول على المقاعد الكافية المطلوبة لتشكيل حكومة الحزب المتفرد. وفي 24 أغسطس/آب 2015م قرر الرئيس رجب طيب أردوغان إجراء انتخابات مبكرة دون التأثر بهذا القرار. وذلك يعني أنه بقي في السلطة لأن منصبه لم يكن خاضعاً لقرار إعادة الانتخابات – ومن أجل ذلك تمت دعوة هذه الممارسة بـ"حل البرلمان".
لكن المادة 116 في التغييرات المقترحة تقول إنه الآن لو قرر الرئيس إعادة الانتخابات البرلمانية فيجب تجديد الانتخابات الرئاسية أيضاً. في حين يتطلب حل البرلمان البقاء بمنأى عبر قانون الحل حسب التعريف، فإن منصب الرئيس أيضاً سوف يتأثر عبر "حــل" البرلمان – والذي لم يعد بالإمكان دعوته حل برلمان.
ويتوقع المشروع أيضاً أن الرئيس، الذي يمكنه الترشح لفترتين اثنتين بموجب ظروف طبيعية ومن أجل فترة إضافية ثالثة في حال جدد البرلمان الانتخابات في الفترة الثانية للرئيس، سيخسر بقية الفترة التي فيها تم تجديد الانتخابات. وتقتضي نتيجة قرار تجديد الانتخابات ضمناً أن القرار يمكن أن يعمل فقط في الظروف غير الاعتيادية.
2) ادعاء: "الرئيس سيحدد الميزانية"
وفقاً للمادة 161 من التعديلات، فإن الرئيس لا يمكنه تحديد الميزانية لكن تقديم مقترح ميزانية إلى البرلمان، والبرلمان هو الذي يتخذ القرار النهائي. ويقرأ في المادة:
"سيقدم الرئيس مقترح ميزانية إلى البرلمان وعلى الأقل قبل 75 يوماً من بدء السنة المالية الجديدة. وسيتم مناقشة المقترح في لجنة الموازنة. النص المقترح المقبول من قبل اللجنة خلال 55 يوماً سيتم مناقشته في البرلمان وتقديم القرار الأخير حتى بدايات السنة المالية الجديدة. وفي حال لا يمكن لقانون الموازنة أن يتم وضعه موضع التنفيذ حتى الموعد النهائي، سيتم وضع والعمل بقانون مؤقت. وفي حال أن البرلمان رفض القانون المؤقت، حينئذ سيتم العمل بموازنة السنة الماضية وبإجراء زيادة في معدل رفع القيمة حتى الموافقة على مقترح الموازنة الجديد. . . . ولا يمكن أن ينطوي قانون الموازنة على أمر يقول أن الانفاق يمكن أن يتم تجاوزه عبر إصدار أوامر رئاسية".
3) ادعاء: "سيصبح للأوامر الرئاسية قوة القانون" أو "سيتم تقديم البرلمان كعاجز" أو "سيحكم الرئيس عبر الأوامر"
تقول المادة 119 من التعديلات أن الرئيس سيحصل على الحق بإصدار أوامر لديها قوة قانون (د هـ ف ل) خلال حالة الطوارئ. وفي أوقات أخرى عدا حالة الطوارئ، فإن الرئيس يصدر أوامر رئاسية لكن لا يمكنه إصدار (د هـ ف ل)، وتلك مفاهيم مختلفة. فمن حيث التسلسل الهرمي، تكون التشريعات أرفع مقاماً من كلا الــ(د هـ ف ل) والأوامر الرئاسية. ووفقاً لذلك، فإن حق الرئيس بإصدار الأوامر مقيد بخمسة إلزامات في المشروع. والجزء المتعلق من المادة يُقرأ فيه ما يلي:
"يمكن للرئيس إصدار أوامر حول المواضيع المعنية بها السلطة التنفيذية. والحقوق الأساسية والمهام في الفصلين الأول والثاني، والحقوق السياسية والمهام في الفصل الرابع من القسم الثاني للدستور لا يمكن أن يتم تنظيمها عبر الأوامر الرئاسية. إن الرئيس لا يمكنه إصدار أوامر حول قضايا يقول الدستور إنه سيتم البت فيها تحديداً في الدستور. وأن القضايا التي يتم البت فيها عبر الدستور هي معفية من أوامر الرئيس. وعندما يكون لدى الدستور والأمر الرئاسي أوامر مختلفة، فإن تلك التي من الدستور هي من تطبق. ويتم إلغاء الأمر الرئاسي عندما يصدر البرلمان تشريعاً بشأن نفس الموضوع الذي أصدر في الأمر".
في النظام البرلماني الحالي، (د هـ ف ل) قد أصدرهم مجلس الوزراء وتم رفعهم إلى البرلمان للمناقشة. وإذ رفض البرلمان النقاش، فلا يوجد عاقبة قانونية لهذا الامتناع: ويبقى الـ(د هـ ف ل) فعالاً. وفي النظام المقترح، أيضاً يتم تقديم الـ(د هـ ف ل) التي أصدرها الرئيس إلى البرلمان لكن إذا لم يتم مناقشتها وتقديم القرار النهائي خلال ثلاثة أشهر، فإن الـ(د هـ ف ل) يُعد ملغياً. ويقرأ في الجزء المتعلق بنفس المادة كما يلي:
"باستثناء عندما لا يمكن للمجلس الوطني الأعلى في تركيا عقد اجتماع بسبب الحرب ولطارئ الحرب، فإنه سيتم مناقشة الأوامر الرئاسية الصادرة في حالة استثناء في المجلس الوطني الأعلى ومن قبله في غضون ثلاثة أشهر. ما عدا ذلك فإنه سيتم إلغاء الأوامر الرئاسية الصادرة في حالة استثناء".
إن البرلمان في النظام الحالي يعاني خللاً وظيفياً إلى حد أن أعضاء البرلمان تقريباً لا يلعبون أي دور في العملية التشريعية باستثناء التصويت في ما يطرح للاقتراع. والسبب الرئيسي لهذا الخمول هو أن 99 في المائة من القوانين التي مررت عبر البرلمان قد تمت صياغتها في مجلس الوزراء وقدمت إلى البرلمان كمسودة قوانين. وكنتيجة فإن معظم أعضاء البرلمان لا يعلمون محتوى المسودة التي صوتوا لها داخل القانون.
غير أن النظام المقترح يلغي حق السلطة التنفيذية في صياغة القوانين. والمقترح التشريعي الوحيد الذي ستقدمه السلطة التنفيذية للبرلمان سيكون حول الموازنة. هذه القاعدة ستعزز من فصل السلطة التنفيذية عن التشريعية، وبالتالي تحرر الأخيرة من هيمنة السابقة. ووفقاً لذلك فإن أعضاء البرلمان سيتوجب عليهم دراسة القضايا التي يريدون تقديمها للبرلمان كمقترحات تشريعية.
وبالرغم من أن الجملة الأخيرة في المادة 104 من الدستور التركي توكل البرلمان بتزويد الرئيس بسلطات إضافية عبر وضع قوانين جديدة. فالجملة تقول بأنه "يجب على رئيس الجمهورية أيضاً أن يمارس سلطات الانتخاب والتعيين، وإنجاز المهام الموكلة إليهـ/ـا من قبل الدستور والقوانين". إن مبدأ عدم اليقين في "المهام الأخرى" للرئيس يدل على أنه يمكن منح الرئيس أي سلطات في النظام الحالي.
4) ادعاء: "في حال وفاة الرئيس، يتولى الرئاسة نائب الرئيس"
إنه من الصحيح أن نائب الرئيس سيصبح رئيساً بالنيابة في حال تفرغ المنصب بطريقة ما. غير أنه خلافاً للنظام الرئاسي في الولايات المتحدة الأمريكية حيث يشغل الرئيس بالنيابة المنصب حتى نهاية الفترة بغض النظر عن مدى قرب الانتخابات الرئاسية القادمة، فإنه يجب تجديد الانتخابات الرئاسية في غضون 45 يوماً في حالة كتلك. والذي يعني أن التناوب الرئاسي لن يكون مقيداً بإرادة شخص الرئيس الذي قد يرغب بضمان أن أحداً ما من المقربين له سيصبح رئيساً بعده. فالمادة 106 تقول:
"يمكن للرئيس تعيين نائب رئيس واحد أو أكثر بعد الانتخابات"
سوف تعقد الانتخابات الرئاسية في غضون 45 يوماً في حال أن يصبح منصب الرئاسة شاغراً لأي سبب كان. فنائب الرئيس (المحدد مسبقاً ليصبح رئيساً بالنيابة بين نواب الرئيس) يصبح رئيساً بالنيابة ويمارس السلطات الرئاسية حتى يتم انتخاب الرئيس الجديد. وإذا كان المتبقي للانتخابات العامة سنة أو أقل من سنة فإن انتخابات المجلس الوطني الأعلى بتركيا تتجدد بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية. وإذا كان المتبقي للانتخابات الرئاسية أكثر من عام واحد حينها يبقى الرئيس المنتخب حديثاً في المنصب حتى انتخابات المجلس الوطني الأعلى في تركيا".
5) "سيكون الجهاز القضائي في خدمة الرئيس"
على الرغم من أن عدد القضاة رفيعي المستوى والمعينين من قبل الرئيس تقلص إجمالاً، والادعاء بأن الجهاز القضائي سوف يكون متوقفاً على الرئيس متداول عموماً. والنقطة الرئيسة لهذا الجدل هي أن الرئيس سيعين 12 عضواً في المحكمة الدستورية من بين 15 بينما الثلاثة الأعضاء المتبقيين يختارهم البرلمان، بالتالي سُمِّي اعتماد المحكمة على الرئيس.
الجدول في الأعلى يظهر أن عدد الأعضاء المعينين من قبل الرئيس كان مخفضاً من 14 إلى 12، وبإزالة عضوين من أصل عسكري للمحكمة من العضوية. لكن الأكثر أهمية هو أن فترة أعضاء المحكمة في المنصب تتجاوز بكثير فترة الرئيس. وبعد التغيير الدستوري في 2010، تم تحديد فترة أعضاء المحكمة في المنصب إلى 12 عام والتي في وقت سابق اُنهيت بعمر التقاعد الذي هو 65 عاماً.
ومن المفترض أن تكون الفترة الرئاسية تنطوي على خمس سنوات، فإن الرئيس الذي يتم انتخابه لفترة واحدة لن يكون قادراً على استبدال أغلب أعضاء المحكمة الدستورية. تقنياً، من المحتمل أنه يمكن للرئيس الحكم لحوالي ثلاث فترات (حوالي 15 سنوات) عن طريق الانتخابات الشعبية ويمكنه تجديد المحكمة بشكل كامل. غير أنه يمكن لمثل هذا الظرف الاستثنائي أن يحدث لكن من خلال عمليات ديمقراطية.
إن المؤسسات القضائية الأساسية الأخرى هي مجلس القضاة والمدعين العموميين (هـ س ك) الذي كان يسمى سابقاً المجلس الأعلى للقضاة والمدعين العموميين (هـ س ي ك). وتم إزالة كلمة "أعلى" لأنه لم توجد مجالس أخرى تحت ال(هـ س ك) ليُجعل أعلى. وكان الـ(هـ س ك) يتكون من 22 عضواً، 16 من الذين تم تعيينهم بيروقراطيين. وكانت التعيينات في ال(هـ س ك) تتم من خلال اجتماع مغلق للبيروقراطية القضائية.
وعبر مشروع التغيير الدستوري، تم خفض عدد أعضاء ال(هـ س ك) إلى 13 وتم منح البرلمان الحق باختيار سبعة أعضاء للمجلس، وبالتالي فُتح الهيكل المغلق للمؤسسة للشرعية الديمقراطية من الأشخاص والمناصب المختارة شعبياً. ولم يتم تغيير عدد الأعضاء المعينين من قبل الرئيس.
6) ادعاء: "إدانة الرئيس ستصبح مستحيلة"
في النظام الحالي الذي تم تأسيسه بعد انقلاب 1980، يمكن أن يتم إدانة الرئيس فقط بالخيانة. لكن الجريمة أولاً وفي المقام الأول تحتاج لتحديدها من قبل القانون لكي يتم الحكم على شخص ما بسبب ارتكابها بينما لم يتم التنويه للخيانة كجريمة في قانون العقوبات التركي. وكنتيجة فإنه تقنياً من المستحيل إدانة الرئيس في النظام الحالي.
غير أن التعديلات المقترحة توسع نطاق المسؤولية الإجرامية للرئيس بشكل كبير، مستبدلاً العبارة 'خيانة عظمى' مع 'الجريمة'. ووفقاً للمشروع ستكون إدانة الرئيس ممكنة لأي جريمة محددة في قانون العقوبات التركية، بعد خطوات عملية الإدانة. وتشرح المادة 105 كيف ستعمل هذه الآلية المماثلة للتي في الولايات المتحدة الأمريكية:
"إنه من الممكن المطالبة بإطلاق تحقيق إدانة حول الرئيس، بسبب أنه ارتكب جريمة، من خلال اقتراح يتم تقديمه عبر تصويت الأغلبية البسيطة. ويجب أن يناقش البرلمان المقترح في غضون شهر واحد ويمكنه تقرير فتح تحقيق إدانة بثلاثة أخماس أصوات مجمل أعضاء البرلمان في اقتراع سري. . . . ويمكن للمجلس الوطني الأعلى في تركيا تقرير النظر في قضية (الرئيس) في المحكمة العليا عبر ثلثي الأصوات من مجمل أعضاء البرلمان في اقتراع سري. . . . ولا يمكن للرئيس الذي تم إطلاق تحقيق الإدانة حوله إقرار إعادة الانتخابات. إن ولاية صاحب منصب الرئيس الذي تم إدانته في جريمة تمنع إعادة انتخابه ستصبح منتهية. هذه المادة أيضاً تنطبق على فترات الرؤساء في ما بعد المنصب من أجل الجرائم التي قيل بارتكابهم لها خلال توليهم فترة الحكم.
7) ادعاء: "سيتم إلغاء الفصل بين السلطات"
لقد تم الادعاء بأنه سيتم تدمير فصل السلطات في النظام المقترح وبدلاً من ذلك ستدمج السلطات (التنفيذية والتشريعية والقضائية) مع بعضها تحت منصب الرئيس. لكن يوجد هناك إجراءات صارمة محددة في مشروع التغيير الدستوري، البعض منها قد تمت مناقشته في الأعلى، للتأكيد على فصل السلطات. ويمكن تسجيلها في قائمة كالتالي:
* بالرغم من أن كلا السلطتين التنفيذية والتشريعية متكافئتان من حيث استمداد الشرعية من انتخابهما ديمقراطياً عبر التصويت الشعبي، فالأوامر الرئاسية رغماً عن ذلك ستصبح أدنى منزلة من تشريعات البرلمان لتعزيز التفوق العملي للبرلمان على السلطة التنفيذية. وذلك يعني أيضاً أن السلطة التنفيذية سيتم منعها من التدخل في البرلمان.
* في علاقة تبادلية، سيصبح لدى الرئيس حق الاعتراض على القوانين الممررة من قبل البرلمان. والهدف من هذا النظام هو عرقلة السلطة التشريعية من تعجيز السلطة التنفيذية عبر وضع القوانين التي تتعدى على نطاق السلطة التنفيذية، وبالتالي إبطال الأوامر الرئاسية.
* وفقاً للمقال الذي كتبه حقوقي كبير، فإن الرئيس سيصبح قادراً على إصدار الأوامر فقط في الستة المواضيع التي تهم السلطة التنفيذية بالمقارنة مع المواضيع الـ80 التي يقول الدستور إنه سيتم البت فيها تحديداً عبر القوانين – الجانب الآخر الذي يخدم فصل السلطات إلى أبعد حد. إضافة لذلك فإن الرئيس سيصبح قادراً على إصدار أوامر لتعيين أو إزالة نواب الرئيس والوزراء والموظفين العموميين رفيعي المستوى (المادة 104) ;لإنشاء الوزارات وإقامة تغييرات لهياكل الموجودة منها فعلاً (المادة 106); لإقرار المؤسسة ومهام مجلس الأمن الوطني (م غ ك) (المادة 118); لخلق كيان قانوني (المادة 123); لتعيين رئيس الأركان العامة (المادة 117) ولتنظيم مجلس الدولة الرقابي (المادة 108). وإنه أيضاً جدير بالذكر أن النظام في الولايات المتحدة الأميركية يسمح للرئيس بإصدار أمر حول الحقوق الشخصية والحريات في حين أنه في النظام المقترح لا يمكن للأوامر الرئاسية التغلغل في الحقوق والحريات.
* ستصبح الأوامر الرئاسية التي تحظى بقوة القانون (د هـ ف ل) ملغية تلقائياً لو فشل البرلمان بمناقشتها في غضون ثلاثة أشهر بعد تاريخ إصدارها. وبالتالي يتابع النظام المقترح لحماية الرقابة الوظيفية للبرلمان من خلال السلطة التنفيذية. إضافة لذلك فإن (د هـ ف ل) في النظام البرلماني الحالي هي للحفاظ على صلاحيتها القانونية حتى لو لم يقم البرلمان بمناقشتها نهائياً.
* لن يكون ممكناً أخذ جزء في كلا السلطتين التنفيذية والتشريعية في الوقت ذاته، خلافاً للحالة في النظام البرلماني. إن عضوية عضو البرلمان ستنتهي في حال قام بقبول تولي منصب كوزير.
* سيتم منع أي مسؤول في السلطة التنفيذية، بمن فيهم الرئيس، من تقديم مقترحات تشريعية للبرلمان، للمساهمة في استقلاله وتمكينه.
* المادة 9 في الدستور التي تقول "يجب أن تمارس السلطة القضائية عبر محاكم مستقلة بالنيابة عن الشعب التركي"، تم تعديلها عبر إضافة "والحيادية" بعد كلمة "مستقلة". وبما أن الحياد هو مصدر السلطة ودقة القضاء، فإنه يتوقع أن تزيد التعديلات من استقلال القضاء في وجه السلطات الأخرى.
* ستلغى المحاكم العسكرية. وكنتيجة، سيصبح القضاء أكثر وحدة; وسيصبح مبدأ الحكم الطبيعي محصناً; كما سيتم تخفيف الأحكام الجائرة – وسيساهم كل ذلك في استقلال القضاء.
* بإلغاء المحاكم العسكرية، سيقلل عدد القضاة في المحكمة الدستورية المعينين من قبل الرئيس إلى اثنين. وسيختار البرلمان، الذي ليس له رأي في النظام الحالي في تعيين أعضاء مجلس القضاة والمدعين العموميين، سبعة أعضاء بينما سيتم إعفاء بيروقراطيي المجلس الـ16 المعينين تماماً. بناء على ذلك فإن البرلمان سيصبح معززاً أمام السلطة التنفيذية والهيكل البيروقراطي للقضاء المغلق، الذي استخدم بفعالية كأداة للتأثير في النظام الحالي، وسيفتح أبوابه لتعيينات السياسيين المنتخبين ديمقراطياً، جاعلاً القضاء مؤسسة أكثر ديمقراطية.
* إن الفجوة المؤقتة بين الفترات في منصب الرئيس وأعضاء المحكمة الدستورية ، مشروح في الأعلى، سوف تلعب دوراً كجزء من آلية الضوابط والموازنات بين السلطتين، كابحاً قدرة الرئيس على وضع التعيينات.